سورة النور - تفسير التفسير الوسيط

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النور)


        


{إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (23) يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (24) يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ (25) الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ وَالطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ أُولئِكَ مُبَرَّؤُنَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (26)} [النور: 24/ 23- 26].
هذا وعيد شديد من الله تعالى للذين يرمون المحصنات المؤمنات العفيفات، خرج مخرج الغالب، ويشمل أيضا من رمى المحصن المؤمن العفيف.
والمعنى: إن الذين يتهمون النساء الحرائر، العفيفات، البعيدات عن المعاصي والفواحش، النقيات من كل تهمة باطلة، المؤمنات بالله ورسوله، لعنوا في الدنيا والآخرة، أي طردوا من رحمة الله في الآخرة، وعذّبوا في الدنيا بحد القذف، جزاء جرمهم وافترائهم. وهذا دليل على أن القذف من الكبائر.
أخرج الإمام أحمد والبخاري ومسلم وغيرهم عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «اجتنبوا السبع الموبقات...» وذكر منها: قذف المحصنات الغافلات المؤمنات، وهذا العقاب في الدرجة الأولى لزعيم المنافقين عبد الله بن أبي وأشباهه.
قال الإمام الزمخشري: «ولو قلّبت القرآن كله، وفتّشت عما أوعد به العصاة لم تر الله عز وجل قد غلظ في شيء تغليظه في الإفك، ولو لم ينزل إلا هذه الثلاث لكفى بها حيث جعل القذفة ملعونين في الدارين جميعا، وتوعدهم بالعذاب العظيم في الآخرة، وأن ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم تشهد عليهم، وأنه يوفيهم جزاء الحق الذي هم أهله حتى يعلموا أن الله هو الحق، فأوجز وأشبع، وفصّل وأجمل، وأكدّ وكرر، وجاء بما لم يقع في وعيد المشركين عبدة الأوثان إلا ما هو دونه في الفظاعة».
ثم أخبر الله تعالى أن عذاب القاذفين يوم القيامة يكون بشهادة أعضائهم عليهم، يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما عملوا في الدنيا من قول أو فعل، بأن ينطقها الله بقدرته، كما جاء في آية أخرى: {وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ} [فصلت: 41/ 21].
في ذلك اليوم الرهيب يوفيهم الله حسابهم، أو جزاءهم على أعمالهم، ويعلمون أن وعد الله ووعيده وحسابه هو العدل الذي لا جور فيه.
ثم سنّ الله قانونا عاما يدل دلالة مادية حسية على براءة السيدة عائشة رضي الله عنها، وهو أن النساء الزواني الخبيثات للخبيثين من الرجال، والخبيثين الزناة من الرجال للخبيثات من النساء، فاللائق بكل واحد أمثاله، فشأن الخبيثات تزوج الخبيثين، وشأن الطيبين تزوج الطيبات. أولئك الطيبون والطيبات كصفوان بن معطّل المتهم البريء، وعائشة الصديقة التي هي أسمى وأرفع من التهمة، بعيدون مبرؤون عما يقوله أهل الإفك والبهتان، ممن تميزوا بالخبث والدنس والتلوث بالمنكرات.
وأولئك المبرؤون من التهم الباطلة لهم مغفرة عن ذنوبهم بسبب ما قيل فيهم من الكذب، ولهم رزق كريم عند الله في جنات النعيم.
إن هذه الآية تضع حدا فارقا بعيد الجانبين، بعد السماء عن الأرض بين حكم عبد الله بن أبي وأشباهه من المنافقين، وبين حكم النبي صلّى اللّه عليه وسلّم وفضلاء الصحابة رضوان الله عليهم، وأمته، أي إن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم طيب، فلم يجعل الله له إلا كل طيّبة، وأولئك خبيثون، فهم أهل النساء الخبيثات.
آداب الاستئذان:
الساحة الإسلامية ملأى بالآداب والأخلاق الرفيعة ذات المعاني الحضارية السامية، والمقومات الأساسية لبناء المجتمع الفاضل، وإشاعة المودة والمحبة بين الناس، والحفاظ على الروابط الأسرية والاجتماعية، والقصد من تشريع هذه الآداب صون قاعدة الحرية، والاحتفاظ بالأسرار الشخصية، والترفع عن المباذل والدناءات وسفساف الأمور، ووضع الحواجز والموانع التي تمس العورات والأعراض، وتتعلق بخصوصيات الإنسان. قال الله تعالى مبينا حكم الاستئذان عند الدخول إلى بيوت الآخرين، وآدابه وضوابطه:


{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (27) فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيها أَحَداً فَلا تَدْخُلُوها حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكى لَكُمْ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (28) لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيها مَتاعٌ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما تَكْتُمُونَ (29)} [النور: 24/ 27- 29].
المعنى: يا أيها المصدقون بالله ورسوله لا تدخلوا بيوت غيركم حتى يؤذن لكم، وحتى تسلّموا على أهل البيت، حتى لا تقعوا على عورات غيركم، ولا تنظروا إلى ما لا يحل النظر إليه، ولا تفجؤوا الساكنين أو تزعجوهم، فيحدث النفور والكراهية.
وقوله تعالى: {حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا} معناه: حتى تستعلموا من في البيت وتستبصروا وتستكشفوا الأمر، وتحصلوا على الإذن. ويكون الاستئذان ثلاث مرات فقط كما ورد في السنة الثابتة.
وحكمة الاستئذان واضحة: وهي توفير حرمة المسكن وحرية السكان، لذا قال الله تعالى: {ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} أي إن الاستئذان خير وأفضل للطرفين، والمستأذن وأهل البيت، فهو خير من الدخول فجأة، وخير من تحية الجاهلية، وهي: أنعم صباحا، أو مساء، وقد أنزل الله عليكم هذا الأدب، وأرشدكم إليه، لتتذكروا وتتعظوا، وتعملوا بالأصلح لكم. فإن لم تجدوا في بيوت غيركم أحدا يأذن لكم، فلا تدخلوها حتى يأذن لكم صاحب الدار، فلا يحل الدخول في هذه الحالة، لأنه تصرف في ملك الغير بغير إذنه، ولأن للبيوت حرمة، وهي محل السكن الخاص والطمأنينة الشخصية، والراحة والوداعة.
وإن طلب منكم صاحب البيت الرجوع بعد الاستئذان، فارجعوا، فإن الرجوع هو خير لكم وأطهر في الدين والدنيا، ولا يليق بكم أيها المؤمنون الإلحاح في الاستئذان والوقوف على الأبواب، ففي ذلك ذل ومهانة. والله عليم بنياتكم وأقوالكم، وأفعالكم ونظراتكم.
ولا إثم ولا حرج عليكم من الدخول إلى بيوت لا تستعمل للسكنى الخاصة، كحوانيت التجار والحمامات العامة، والأماكن المخصصة للتسلية البريئة، وذلك إذا كان لكم فيها مصلحة أو انتفاع كالمبيت فيها، وتخبئة الأمتعة، والمعاملة بالبيع والشراء وغير ذلك.
والله تعالى عليم بما تظهرونه من استئذان عند الدخول، وما تضمرونه من قصد سيء، وتدخّل في شؤون الآخرين، وحب الاطلاع على عورات الناس وخصوصياتهم وهذا وعيد لأهل الريبة الذين يدخلون البيوت للتلصص، واستراق السمع، ومعرفة الأسرار.
يتبين من هذه الآية أنها تشتمل على حكمين:
الحكم الأول: وجوب الاستئذان حين الدخول إلى بيوت الآخرين المسكونة.
والحكم الثاني: السماح بالدخول إلى البيوت غير الآهلة بالسكان، وليس فيها أحد، إذا كان للداخل متاع فيها، وذلك بغير إذن، كالمضافة العامة، والنزل المخصصة للمسافرين والعابرين.
والمهم في الاستئذان: هو تجنب النظر إلى ما يؤذي أهل البيت، فقد قال النبي صلّى اللّه عليه وسلّم فيما رواه أحمد والشيخان والترمذي عن سهل بن سعد: «إنما جعل الاستئذان من أجل البصر».
وذلك للبعد عن المضايقات، وتربية الإنسان على الخلق الكريم، والحياء والأدب الجم، ورقابة الله في السر والعلن، فإن الله يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.
غض البصر والحجاب:
لقد نظم الشرع الحنيف العلاقة بين الرجل والمرأة على أساس من الثقة والحياء والاحترام المتبادل، وترك الاسترسال في التفكير بالخصوصيات المتعلقة بكل منهما، والتي تحتاج إلى وجود مسوغ شرعي واضح ودائم، وبعيد عن ساحات الحياة العامة والأنظار الشائعة، ليكون كل شيء في وضعه السليم، وفي موضعه الملائم، لذا أمر الشرع بغض البصر من الجنسين، وبستر ما يجب ستره، منعا من التشبه بالبدائيين، وحفاظا على الأعراض والحرمات والكرامات، قال الله تعالى مبينا حكم النظر والحجاب، وذلك من قبيل سد الذرائع ومنع الوسائل إلى الحرام:


{قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذلِكَ أَزْكى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ ما ظَهَرَ مِنْها وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبائِهِنَّ أَوْ آباءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنائِهِنَّ أَوْ أَبْناءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَواتِهِنَّ أَوْ نِسائِهِنَّ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ ما يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (31)} [النور: 24/ 30- 31].
نزلت هذه الآية في رجل وامرأة تبادلا نظرات السوء، زاعمين أنهما نظرا إلى بعضهما إعجابا وإعظاما، بفعل وسوسة الشيطان، ولكن الحقائق أقوى من الوسواس، والله لا تخفى عليه خافية، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.
لذا أمر الله تعالى نبيه محمدا صلّى اللّه عليه وسلّم أن يقول للمؤمنين: كفّوا أو غضوا أبصاركم، فلا تنظروا إلا إلى ما أبيح النظر إليه. والمعنى: قل لهم: غضوا يغضوا. والغض لبعض الأبصار، لتوبيخ من يكثر التأمل في الحرام. ومع غض البصر حفظ الفروج من ارتكاب الفواحش، فإن غض البصر وحفظ الفرج خير وأطهر لقلوبهم وأنقى لدينهم، فإن الله تام العلم بكل ما يصدر عن الناس من أفعال. وهذا تهديد ووعيد.
وخلافا للمعتاد في أن خطاب الرجال يتناول النساء، أفرد الله النساء أيضا بالأمر بغض الأبصار في النظر إلى الرجال، وبحفظ الفروج من الفواحش والشذوذ، حفاظا على الحرمات والأعراض، وتوفيرا للحرية المنظمة أو المنضبطة، وإبعادا عن تلويث السمعة، وحفظا للصحة والكمال الإنساني.
ثم أعقب الله ذلك الأمر المشترك بين الرجال والنساء ببيان أحكام خاصة بالنساء وهي:
1- ألا تظهر النساء شيئا من مواضع الزينة للأجانب غير المحارم، إلا ما جرت العادة بظهوره: وهو الوجه والكفان والثياب الظاهرة. وهذا دليل على أن الوجه والكفين ليسا بعورة إذا لم تحدث فتنة.
2- وعلى النساء ستر الرأس وكامل الجسد، ولا سيما أجزاء الصدر لستر الشعر والعنق ونواحي الصدر. وسبب هذه الآية: أن النساء كن في الجاهلية إذا غطين رؤوسهن بالأخمرة سدلنها من وراء الظهر.
3- ولا تظهر النساء زينتهن الخفية إلا للمحارم ونحوهم وهم الأزواج وآباء الأزواج، والآباء والأبناء والبنات، وأبناء الأزواج والإخوة وبنو الإخوة وبنو الأخوات، والنساء من جنسهن، والمماليك من الرجال والنساء، والأطفال الصغار دون العاشرة، والتابعون غير أولي الرغبة أو الحاجة إلى النساء.
وتدل الآية على أن المرأة مأمورة بألا تبدي زينتها لغير المحارم وغير الأزواج والأتباع، وأن تجتهد في الإخفاء لكل ما هو زينة، إلا ما غلب عليها، فظهر بحكم ضرورة حركة لابد منها أو إصلاح شأن ونحو ذلك، فهذا الذي يظهر للضرورة من المعفو عنه، وغالب الأمر أن الوجه والكفين يكثر منهما الظهور، وهو الظاهر في الصلاة، ويحسن الاحتياط ومراعاة فساد الناس، واستتار الحسنة الوجه إلا من ذي رحم محرم.
ولا يجوز للمرأة أن تلفت النظر إليها أثناء المشي، فلا تدق الأرض برجلها، ليعلم الناس صوت خلخالها، لأنه مظنة الفتنة والفساد، ولفت النظر وإثارة المشاعر غير الشريفة، وما أوقع وأحكم خاتمة الآية، فهي تأمر جميع الناس بالتوبة الخالصة، وبطاعة الله، والإنابة إليه، ليتحقق الفوز والفلاح وسعادة الدنيا والآخرة.
الترغيب في الزواج والاستعفاف:
ما من نهي عن شيء ضار في الإسلام إلا ويقابله الأمر بممارسة شيء نافع، فقد نهى الله تعالى عما لا يحل، مما يؤدي إلى الفاحشة من إرسال البصر والتلوث بالمنكر، ثم أعقبه ببيان طريق الحل وهو الزواج المؤدي للعفة والصون، وبقاء النوع الإنساني، وحفظ الأنساب، ودوام الألفة والمحبة، وبناء الأسرة القويمة، لذا رغب الشرع الحنيف بالزواج والاستعفاف، وحذر من البغاء، وحض على تحرير الأرقاء، وإعتاق العبيد، والتخلص من ظاهرة الرق الشاذة، وندب إلى مكاتبة ملك اليمين على عوض مقسط، إذا احتاج السيد لذلك، ورغّب الموسرين في مساعدة المكاتبين على أداء بدل الكتابة للتحرر السريع، قال الله تعالى مبينا هذه الأمور المتعلقة بالزواج والعفة وتحرير الأنفس:

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7